فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



.سورة ن:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (48):

{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)}
قال ابن عباس: نهاه أن يتشبه بصاحب الحوت، حيث لم يصبر صبر أولي العزم.
وهاهنا سؤال نافع، وهو أن يقال: العامل في الظرف، وهو قوله: {إذ نادى} لا يمكن أن يكون المنهي عنه، إذ يصير المعنى: لا تكن مثله في ندائه. وقد اثنى اللّه سبحانه عليه في هذا النداء فأخبر أنه نجاه به. فقال: {أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} وفي الترمذي وغيره عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم انه قال: «دعوة أخي ذي النون، إذ دعي في بطن الحوت: ما دعي بها مكروب إلا فرج اللّه عنه: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».
فلا يمكن أن ينهى عن التشبه به في هذه الدعوة، وهي النداء الذي نادى به ربه. وإنما نهى عن التشبه به في السبب الذي أفضى به إلى هذه المناداة، وهي مغاضبته التي أفضت به إلى حبسه في بطن الحوت، وشدة ذلك عليه حتى نادى ربه وهو مكظوم. والكظيم والكاظم الذي قد امتلأ غيظا وغضبا، أو هما وحزنا، وكظم عليه فلم يخرجه.
فإن قيل: وعلى ذلك فما العامل في الظرف؟ قيل: ما في {صاحب الحوت} من معنى الفعل.
فإن قيل: فالسؤال بعد قائم، فإنه إذا قيد المنهي بقيد أو زمن كان داخلا في حين النهي فإن كان المعنى: لا تكن مثل صاحب الحوت في هذه الحال، أو هذا الوقت. كان نهيا عن تلك الحالة.
قيل: لما كان نداؤه مسببا عن كونه صاحب الحوت، فنهى أن يشبه به في الحال التي أفضت به إلى صحبته الحوت وألجأته إلى النداء، وهو ضعف العزيمة وعدم الصبر لحكمه تعالى، ولم يقل تعالى: ولا تكن كصاحب الحوت إذ ذهب مغاضبا فالتقمه الحوت، فنادى، بل طوى القصة واختصرها، وأحال بها على ذكرها في الموضع الآخر، واكتفى بغايتها وما انتهت إليه.
فإن قيل: فما منعك بتعويض الظرف بنفس الفعل المنهي عنه؟ أي لا تكن مثله في ندائه وهو ممتلئ غيظا وهما وغما، بل يكون نداؤك نداء راض بما قضى ربه عليه، قد تلقاه بالرضى والتسليم وسعة الصدر، لا نداء كظيم.
قيل: هذا المعنى، وإن كان صحيحا، فلم يقع النهي عن التشبه به في مجرده. وإنما نهي عن التشبه به في الحال التي حملته على ذهابه مغاضبا، حتى سجن في بطن الحوت.
ويدل عليه قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} ثم قال: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ} أي في ضعف صبره لحكم ربه. فإن الحالة التي نهى عنها هي ضد الحالة التي امر بها.
فإن قيل: فما منعك أن تصير إلى أنه أمر بالصبر لحكمه الكوني القدري الذي قدره عليه، ولا تكن كصاحب الحوت، حيث لم يصبر عليه، بل نادى وهو كظيم لكشفه. فلم يصبر على احتماله والسكون تحته.
قيل: منع من ذلك: أن اللّه سبحانه أثنى على يونس وغيره من أنبيائه بسؤالهم إياه كشف ما بهم من ضر، وقد أثنى عليه سبحانه بذلك في قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} فكيف ينهي عن التشبه به فيما يثني به عليه ويمدحه به؟ وكذلك أثنى على أيوب بقوله: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وعلى يعقوب بقوله: {إنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}
وعلى موسى بقوله: {رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وقد شكا إليه خاتم أنبيائه ورسله بقوله: «اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي»- الحديث فالشكوى إليه سبحانه لا تنافى الصبر الجميل، بل إعراض عبده عن الشكوى إلى غيره جملة، وجعل الشكوى إليه وحده: هو الصبر.
واللّه تعالى يبتلي عبده ليسمع شكواه، وتضرعه ودعاؤه.
وقد ذم اللّه سبحانه من لم يتضرع إليه. ولم يستكن له وقت البلاء كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ}.
والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه والرب تعالى لم يرد من عبده أن يتجلد عليه، بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع إليه، وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه، ويحب من يشكو ما به إليه.
وقيل لبعضهم: كيف تشتكي إليه ما ليس يخفى عليه؟ فقال: ربي يرضى ذل العبد إليه.
والمقصود: أنه سبحانه أمر رسوله أن يصبر صبر أولي العزم الذين صبروا لحكمه اختيارا. وهذا أكمل الصبر، ولهذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على هؤلاء، حتى ردوها إلى أفضلهم وخيرهم، وأصبرهم لحكم اللّه، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

.سورة المزمل:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (8):

{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)}
التبتل: الانقطاع. وهو تفعّل من البتل. وهو القطع. وسميت مريم: البتول. لانقطاعها عن الأزواج، وعن نظراء نساء زمانها. ففاقت نساء الزمان شرفا وفضلا، وقطعت منهن.
ومصدر تبتل إليه تبتيلا كالتّعلّم والتفهم. ولكن جاء على التفعيل مصدر تفعل لسر لطيف.
فإن في هذا الفعل إيذانا بالتدريج والتكلف، والتعمل والتكثر والمبالغة.
فأتي بالفعل الدال على أحدهما، وبالمصدر الدال على الآخر. فكأنه قيل: بتّل نفسك إلى اللّه تبتيلا. وتبتل إليه تبتلا. ففهم المعنيان من الفعل ومصدره. وهذا كثير في القرآن. وهو من حسن الاختصار والإيجاز.

.سورة المدثر:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (4):

{وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4)}
قال قتادة ومجاهد: نفسك فطهر من الذنب، فكنى عن النفس بالثوب. وهذا قول إبراهيم والضحاك والشعبي والزهري والمحققين من أهل التفسير.
قال ابن عباس: لا تلبسها على معصية ولا قذر، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي:
وإني بحمد اللّه لا ثوب غادر ** لبست، ولا من غدرة أتقنّع

والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء: طاهر الثياب، وتقول للفاجر والغادر: دنس الثياب.
وقال أبي بن كعب: لا تلبسها على الغدر والظلم والإثم، ولكن البسها وأنت برّ طاهر.
وقال الضحاك: عملك فأصلح.
وقال السدي: يقال للرجل إذا كان صالحا: إنه لطاهر الثياب، وإذا كان فاجرا: إنه لخبيث الثياب.
وقال سعيد بن جبير: وقلبك وبيتك فطهر.
وقال الحسن والقرطبي: وخلقك فحسن.
وقال ابن سيرين وابن زيد: أمر بتطهير الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها. لأن المشركين كانوا لا يتطهرون، ولا يطّهرون ثيابهم.
وقال طاوس: وثيابك فقصر. لأن تقصير الثياب طهرة لها.
والقول الأول: أصح الأقوال. ولا ريب أن تطهيرها من النجاسات وتقصيرها: من جملة التطهير المأمور به، إذ به تمام إصلاح الأعمال والأخلاق. لأن نجاسة الظاهر تورث نجاسة الباطن. ولذلك أمر القائم بين يدي اللّه عز وجل بإزالتها والبعد عنها.

.تفسير الآيات (49- 51):

{فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)}
شبههم في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمر رأت الأسد أو الرّماة ففرت منه.
وهذا من بديع القياس والتمثيل، فإن القوم في جهلهم بما بعث اللّه به رسوله كالحمر وهي لا تعقل شيئا. فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي نفرت منه أشد النفور. وهذا غاية الذم لهؤلاء. فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم. كنفور الحمر عما يهلكها ويعقرها.
وتحت المستنفرة معنى أبلغ من النافرة. فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضه على النفور. فإن في الاستفعال من الطلب قدرا زائدا على الفعل المجرد. كأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه.
ومن قرأها بفتح الفاء: فالمعنى: أن القسورة استنفرها، وحملها على النفور ببأسه وشدته.

.سورة القيامة:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (36):

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36)}
قال الشافعي رضي اللّه عنه: أي هملا لا يؤمر ولا ينهى؟
وقال غيره: لا يثاب ولا يعاقب.
والقولان واحد. لأن الثواب والعقاب غاية الأمر والنهي. فهو سبحانه خلقهم للأمر والنهي في الدنيا. والثواب والعقاب في الآخرة.
فأنكر سبحانه على من زعم أنه يترك سدى إنكار من جعل في العقل استقباح ذلك واستهجانه. وأنه لا يليق أن ينسب ذلك إلى أحكم الحاكمين.

.سورة النبأ:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (31- 33):

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33)}
فالكواعب: جمع كاعب، وهي الناهد. قاله قتادة ومجاهد والمفسرون.
وقال الكلبي: هن الفلكات اللواتي تكعب ثديهن. وتفلكت.
وأصل اللفظ: من الاستدارة. والمراد: أن ثديهن نواهد، كالرمان، ليست متدلية إلى أسفل ويسمين نواهد وكواعب.

.سورة التكوير:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3)}
وقرأ قارئ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، وفي الحاضرين أبو الوفا ابن عقيل. فقال له قائل: يا سيدي، هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية وسيّر الجبال، ودكّ الأرض، وفطّر السماء، ونثر النجوم، وكوّرت الشمس؟
فقال: إنما بني لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه: لحسن التأمل والتذكر. فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خرّبها، لانتقال الساكن منها. فأراد أن يعلمهم بأن الكون كان معموا بهم. وفي إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وبيان المقدرة بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد، وزنادقة المنجمين، وعبّاد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين. فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت، وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت، ومحالّها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم، وظهر أن العالم مربوب محدث، مدبّر، له رب يصرفه كيف يشاء، تكذيبا لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم.
فكم للّه من حكمة في هدم هذه الدار، ودلالة على عظيم عزته وقدرته، وسلطانه، وانفراده بالربوبية، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره، وإذعانها لمشيئته. فتبارك اللّه رب العالمين.